الرِّحلــــــة" أبي، هلْ سترَى بيتَ اللهِ؟ " خرجتْ تلكَ الكلماتُ مِنْ بينِ شِفاهِ طِفلي الصغيرِ، وهوَ يتشبثُ بِي وسطَ دموعِ إخوتِهِ، وحبستُ دمعةً كادتْ تنسابُ شوقاً إلى اللقاءِ، وأنا أجيبُه بالإيجابِ..
لا أحدَ يستطيعُ فَهْمَ مشاعرِي، أريدُ أنْ أصرخَ وأُخبِرَ الكونَ أنِّي سأحجُّ ، أنِّي سأُكْمِلُ أركانَ إسلامِي ، أنِّي ذاهبٌ لألبِّيَ نداءَ ربِّي..
وصلتُ إلى المطارِ وأنا سابحٌ وسطَ مشاعِري، أتمِّمُ إجراءاتِي ، ولمْ أفُقْ إلا على صوتِ النداءِ: " يُرجَى مِنَ المسافِرينَ على الرحلةِ رقمِ 640 المتوجهةِ إلى المملكةِ العربيةِ السعوديةِ التوجهَ إلى البوابةِ 10 "
قمتُ وأنا فاقدُ الإحساسِ بما حَوْلي ، مِن شِدَّةِ وجْدِي وشوقِي.. أتحسَّسُ إِحْرامِي وأَنا أتَنَهَّدُ..
ركبتُ الطائِرةَ وأنا أعُدُّ الدقائقَ حتَّى شَارَفْنا الميقاتَ، نويتُ كما نوى الحبيبُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
" لبَّيَكَ اللهُمَّ حجاً وعُمرةً ،، اللهُمَّ هذه حجةٌ لا رياءَ فيها ولا سمعةً "
سأحجُّ قارِناً ( قارنَ الحجِ والعمرةِ بإحرامٍ واحدٍ ونيةٍ واحدةٍ ) إنْ شاءَ اللهُ..
وَأَلقيتُ نظرةً على كُتَيِّبِ مناسِكِ الحَجِّ لأتأكدَ ، فرأيتُ تنبيهاً على عدمِ التلفُّظِ بالنيةِ ، بلْ يكونُ محلُّها القلبُ..
منَ الآنِ لا يجوزُ لي إزالةُ شعرٍ مِنْ جَسَدي أو تقليمُ أظافرِي أو استعمالُ الطيبِ ،، ولا لبسُ المخيط ِأو تغطيةُ وجهِي ورأسِي بمُلاصقٍ ،
كما لا يحلُّ قتلُ الصيدِ البرِّي :
" يَآأَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيد وأَنْتُم حُرُمٌ.. "
"أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً.."
هبطْنا في مطارِ جِدة، ومنظرُ المُحرِمينَ مَهيبٌ، والمكانُ يكسوهُ بياضُ الإحرامِ ، والآذانُ لا تسمعُ سوى صدى التلبيةِ ، والألسنةُ لا يشغلُها غيرُ الذكرِ..
كدتُ أنْ أصرخَ: "عَجِّلوا فأنا في اشتياقٍ ".
"اليومُ هوَ السابعُ مِنْ ذي الحجّةِ ، غداً تبتدؤ مناسكُ الحجِّ ، لذا فإنَّ الاعتمارَ سيكونُ اليومَ إنْ شاءَ اللهُ.."
تلكَ كانتْ كلماتُ مرشدِنا ، أوَ هلْ يعلمُ أنِّي لا أقْوى الانتظارَ؟؟